فصل: فصل: وأما الشرع فهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله تعالى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فصل‏:‏ وأما الشرع فهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله تعالى

التي من أجلها خلق الله الجن والإنس لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 56‏]‏‏.‏ وذلك هو الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 85‏]‏‏.‏

فالإسلام هو الاستسلام لله وحده بالطاعة فعلًا للمأمور وتركًا للمحظور في كل زمان ومكان كانت الشريعة فيه قائمة ، وهذا هو الإسلام بالمعنى العام ‏.‏ وعلى هذا يكون أصحاب الملل السابقة مسلمين حين كانت شرائعهم قائمة لم تنسخ كما قال الله تعالى‏:‏ عن نوح وهو يخاطب قومه ‏:‏ ‏{‏فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 72‏]‏‏.‏

وقال عن إبراهيم‏:‏ ‏{‏ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 67‏]‏ ‏.‏ وقال أيضا‏:‏ً ‏{‏إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ‏.‏ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 313‏:‏ 132‏]‏ ‏.‏

وقال عن موسى في مخاطبته قومه‏:‏ ‏{‏يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 84‏]‏‏.‏ وقال عن التوارة‏:‏ ‏{‏إنا أنزلنا التوارة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا‏}‏ ‏[‏‏]‏‏.‏ وقال عن الحواريين أتباع عيسى‏:‏ ‏{‏وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 111‏]‏‏.‏ وقال عن ملكة سبأ‏:‏ ‏{‏رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وأما الإسلام بالمعنى الخاص فيختص بشريعة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏163‏]‏‏.‏ وقال في أمته‏:‏ ‏{‏هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 78‏]‏‏.‏ فلا إسلام بعد بعثته إلا باتباعه، لأن دينه مهيمن على الأديان كلها ظاهر عليها، وشريعته ناسخة للشرائع السابقة كلها قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 81‏]‏‏.‏

والذي جاء مصدقًا لما مع الرسل قبله هو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 48‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله‏}‏ ‏[‏‏]‏‏.‏ وهذا يعم الظهور قدرًا وشرعًا‏.‏

فمن بلغته رسالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يؤمن به ويتبعه لم يكن مؤمنًا ولا مسلمًا بل هو كافر من أهل النار لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار‏)‏‏.‏ أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏

وبهذا يعلم أن النزاع فيمن سبق من الأمم هل هم مسلمون أو غير مسلمين‏؟‏ نزاع لفظي، وذلك لأن الإسلام بالمعنى العام يتناول كل شريعة قائمة بعث الله بها نبيًا فيشمل إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء ما دامت شريعته قائمة غير منسوخة بالاتفاق كما دلت على ذلك النصوص السابقة، وأما بعد بعثة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن الإسلام يختص بما جاء به فمن لم يؤمن به ويتبعه فليس بمسلم‏.‏ومن زعم أن مع دين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ دينًا سواه قائمًا مقبولًا عند الله تعالى‏:‏ من دين اليهود،أو النصارى، أو غيرهما فهو مكذب لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الدين عند الله الإسلام‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏19‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏25‏]‏‏.‏

وإذا كان الإسلام اتباع الشريعة القائمة، فإنه إذا نسخ شيء منها لم يكن المنسوخ دينًا بعد نسخه ولا اتباعه إسلامًا‏.‏

فاستقبال بيت المقدس مثلًا كان دينًا وإسلامًا قبل نسخه، ولم يكن دينًا ولا إسلامًا بعده‏.‏ وزيارة القبور لم تكن دينًا ولا إسلامًا حين النهي عنها وكانت دينًا وإسلامًا بعد الأمر بها‏.‏